السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لدي بنتان وولدان، أكبرهم ولد وعمره يتجاوز العشرين وأصغرهم بنت دون الخامسة عشر. كلهم حفظوا كتاب الله ما عدا الصغرى، فقد بقي عليها خمسة أجزاء، وهي في مدرسة التحفيظ، والذي يكبرها بقي عليه سورة الأنعام حيث حفظ في الحلقات، ولكن للأسف، ومما يحزنني أنهم كلهم بعدوا عن القرآن وحاولت بشتى الوسائل ولا فائدة. بل حتى الصلوات لا يصلونها إلاّ متأخرين ولا يحترمونا. أرجو إرشادي وتوجيهي.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم إن مما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى خير مربِ للناس، فعليه وعلى الحكمة التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تربى الرعيل الأول، خير القرون، فعلى من رام ذلك النهج الأسنى أن يتبع تلك الخطوات، فإذا ما نظرنا في هديهم في حفظ كتاب الله تعالى، وجدنا أنهم، لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، كما حكوا ذلك عن أنفسهم، وحكاه عنهم من أتى بعدهم، ولست هنا بصدد سرد النصوص الدالة على ذلك، فإن عسُر هذا التطبيق الرباني بحذافيره في مثل هذا الزمن، فلا أقل من أن يجتمع مع حفظ كتاب الله تعالى التربية عليه والتنشئة على سبيله، بحيث يكون الهم هو العمل بالقرآن، وإلا فإنه قد يأتي يوم القيامة حجة عليه بدلا من أن يأتي حجة له، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقيم حروفه وحدوده. فلا عجب أن نرى اليوم حفاظا لكتاب الله تعالى لا تظهر آثار الصلاح عليهم، كما قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: وسيأتي بعدنا أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. أما ما ورد في سؤالك فلا أستطيع أن أحكم على حالتك أنها كانت لهذا السبب أو ذاك؛ لأن الهداية بيد الله تبارك وتعالى، ومهما بذل الإنسان في تربية ولده من الأساليب الناجحة، فإنه يبقى ينتظر ما كتبه الله لهذا الولد، كما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: من الآية 56]. وقد ذكر الله في كتابه آيات عديدة تبين للرسول صلى الله عليه وسلم أن عليه البلاغ فقط، ثم لا يكلفه الله هداية الناس، ونهاه عن قتل نفسه بالحسرات من أجل قوم أبوا أن يؤمنوا، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من الأنبياء من يأتي وليس معه أحد، أي: لم يؤمن به أحد، وربما آمن به رجل أو رجلان، رغم كل جهوده المؤيَّدة بالوحي في هداية الناس، وهذا نبي الله نوح عليه السلام لم يؤمن به حتى ابنه من صلبه، ولم يؤمن به من قومه إلا قليل، لكن هذا لا يعني أن نتكاسل عن بذل أسباب الهداية، والأساليب الناجعة في تربية من تحت أيدينا، وإلا فإننا محاسبون على تقصيرنا «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». وهنا أشاطرك المشكلة وأحاول أن أقدم بين يديك بعض الحلول التي قد تعينك في حل مشكلة أبنائك:
• فأول ما أوصيك به، الدعاء والإلحاح في ذلك، والانطراح بين يدي الله أن يهدي أبناءك، ويرزقهم برك، ولا تيأس مهما طال بك ا لزمن، وصاحب الحاجة لحوح، والله سبحانه يحب الملحين، مع اختيار أوقات الإجابة المناسبة التي لا تخفى عليك- إن شاء الله- كالثلث الأخير من الليل، وساعة الإجابة يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وفي السجود، وفي يوم عرفة، وعند إفطار الصائم، ولا تنس أن دعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب.
• كما أود أن أنبهك إلى أن يكون تعاملك مع أبنائك في كبرهم ومراهقتهم مختلفًا عن تعاملك معهم يوم كانوا صغارا، فإن كانوا يتقبلون الأوامر صغارا، فإن هذا يعسر عليهم كبارا، وتغلب عليهم طبيعة العناد، ويرون أنهم كبار إلى حد أنهم لا يتقبلون الأوامر المباشرة، ويرون في ذلك استنقاصا واحتقارا لهم، ولهذا يوصى أن يتم التعامل معهم وفق هذه النفسية الحساسة، فيعاملون معاملة الكبار، وتطلب الأوامر منهم بأسلوب غير مباشر، والتلميح في النصيحة أولى من التصريح بها، وكسب ود الابن وصداقته تختصر الكثير من النصائح، ذلك أن الابن يتقبل من صديقه الذي يقاربه السن، ويفهم نفسيته جيدا، أكثر مما يتقبل من والديه اللذان يظنهما في جيل مختلف تماما، ويرى أنه في عصر لا يفهمانه، أو أنهما لم يفهما نفسيته هو، وهكذا يكون التعامل باللطف والحسنى، وليس ذلك من أجل مراعاة نفسيته فقط، بل هو تهيئة له ليتعامل مع الآخرين معاملة الكبار، وزرع الثقة في نفسه، وأنصحك بالقراءة في كتب التربية التي تعنى بهذا الجانب، كمثل كتاب (المراهقون) للدكتور/ عبدالعزيز النغيمشي، فهو أسلوب سهل ومفيد، مع سماع الأشرطة التي تعتني بهذا الجانب، واستشارة التربويين في ذلك.
• وهذا لا يعني أن تغفل النصيحة المباشرة، أو غير المباشرة، فتذكيرهم بأسلوب رفيق رقيق بما حفظوه من القرآن، وأنه حجة لهم أو عليهم، وأنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، وأن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، منهم: قارئ للقرآن، ولا بأس بإهدائهم أشرطة أو كتبا تذكرهم بذلك.
• استمر في ربطهم بالقرآن بالطرق المناسبة، كأن تسألهم أحيانا عن بعض الآيات، أو تطلب منهم التسميع لك، أو تهديهم أشرطة مميزة لمن يحبون من القراء.
• من الجيد أن تبحث عن صداقات جديدة تحل محل صداقاتهم التي كانت سببا في ضعف تدينهم، وبحكم سنهم فإنك لن تستطيع فرض صداقات عليهم، ولكن وجود بعض الصالحين حولهم قد يثير في أنفسهم الرغبة والمحبة والغيرة المحمودة، مع محاولة خلق بيئة مناسبة، أو زيارة الأصدقاء والأقارب الذين يكوّنون بيئات ممتازة.
• ويتبع للنقطة السابقة أن من أسباب ضعف التدين في بعض أبنائنا تأثرهم وغيرتهم ممن يعيشون على هامش الحياة، أو يجدون مجالا رحبا في حربتهم وتصرفاتهم، فيتمنون أن يكونوا مثلهم، ولهذا يستحسن إبعادهم عن مثل هذه البيئات، مع إيجاد بيئات مناسبة تحل محلها، تجعلهم يرون المثل الأسنى والذي ينبغي أن يحتذى، مع تنبيههم إلى هذه الجوانب المشرقة في فلان وعلان، وأن فلانا محظوظ بأبنائه الصالحين.
هذه بعض النقاط التي وضعتها بين يديك وأرجو أن يكون فيها ما يفيدك، وأن يكون فيها بلسما ناجعا وشفاء للحالة التي ذكرتها، وتبقى أنت سيد الموقف وأعرف بوضع أبنائك. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، وأصلح نياتنا وذرياتنا، {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} ربنا هب لنا ذرية طيبة إنك سميع الدعاء. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الكاتب: فهد السيف.
المصدر: موقع المسلم.